مس .. كول
يعاني البعض من مرض سوء النوايا بشكل مزعج يضره أكثر مما يضر غيره من
البشر "المتهمين" الذين لن يكونوا بريئين حتى وإن ثبتت براءتهم ..!!
وقد تنوعت أشكال ذلك المرض بما يتناسب مع التقنيات الحديثة لهذا العصر
، وأخص الحديث هنا عن التواصل من خلال الهاتف الجوال الذي أصبح هو الوسيلة
الأولى في تواصلنا .. وتراحمنا .. ومناصحاتنا .. وتحذيراتنا .. وعتاباتنا
.. وحتى بلاغاتنا .!!
أما سبب ذلك السيئ من الظن والذي أخصه في حديثي هنا فهو ما يسمى "مس
كول" لدى هاتف جوال استقبل جهازه الاتصال ولم يرد لأي سبب كان .. ليدخل
المعنيون ما يسمى بلعبة "الغميمة " التي قد تمتد شهورا وربما سنين ..!!
كل ذلك بسبب أن المستقبِل لم يتمكن من الرد على المتصل إما بعمل أو أي
انشغال أو لعطل في الجهاز لا تظهر معه المكالمات الفائتة فيتخذ المتصل من
حالة عدم الرد موقفاً سلبياً قد يكون أبسط أفكاره السلبية تلك عدم رغبة
المستقبِل بالرد عليه .. ليس هذا فقط بل وسيؤكد لنفسه أنه شخص غير مرغوب
فيه ..
ذكّرتني هذه المواقف بقصة زوج إحداهن الذي غاب عنها 15 عاماً وحين
سألوه لماذا هجرتها كل تلك الأعوام أجاب إنه "نسي السبب"في حين ذكرت
الزوجة أنهما كانا يلعبان "الغميمة"!
اليوم قد تقابل بعض الوجوه الصلبة صاحبة الابتسامات الشاحبة والتي يعود
السبب لشحوبها "مس كول" حدثت من أسابيع وشهور حين قام أحدهم بالاتصال عليك
وأشغلتك الحياة عن الرد في حينه أو لاحقاً ..
هؤلاء الأشخاص يضطرونك للتعامل معهم بغير طبيعتك التي قد تكون بسيطة
شفافة فيسحبونك مرغماً إلى التجول في شخصياتهم المركبة ونواياهم المعقدة
لتجد نفسك بعد تلك التجارب معهم تبتعد تدريجياً عنهم حتى لا تقع في دائرة
اللوم والعتاب المقلق ، وحتى نستطيع تقدير حجم هذه المعاناة الباطنية
بعيداً عن دائرة الطب تخيلوا معي أن نعيش في مجتمع لا تتسلله الظنون
السيئة في علاقاتنا بمن تربطنا بهم علاقة الحب والقرابة والجوار ... حتما
سنحظى حينها بتنفس سليم ودقات قلب سليمة منتظمة ...
أنا لا أدعو لحسن الظن بكل البشر بل من السذاجة أن نكون كذلك في عالم
ساد به اختلاف الظاهر عن الباطن ولكنني أعني كما ذكرت الأقارب والمعارف
والأحباب ممن نعرفهم جيداً ونثق بهم..
** الشكوك والظنون السيئة تعكس شخصية مضطربة لا تثق بنفسها وعلاجها
المضمون هو إلغاء قناعة داخلية سلبية تقول "أنا شخص غير مرغوب فيه " ليس
إلغاؤها من جهاز الحاسوب .... بل إلغاؤها من داخل القلب والفكر .. من
حياتنا كلها
هدى السالم